خولة علي (دبي)

يعتبر السوق الكبير في ديرة بمنطقة الراس من أقدم الأسواق الممتدة على خور دبي، والذي يعود بناؤه إلى عام 1850، ونتيجة التزايد في حركة التعاملات التجارية في تلك الفترة، وتنامي المجتمع، كثرت أعداد الدكاكين ليحتضن السوق صنوفاً مختلفة من المنتجات، والزائر لهذا السوق يكتشف أنه يسير على نظام الأسواق التقليدية القديمة، بهندستها المعمارية، فهي متراصة متلاحمة في صفوف متتالية متسلسلة، وفق خط بصري جمالي، حيث تعلو بعض الدكاكين أبراج الهواء التقليدية لتوفر المناخ اللطيف للمتسوقين، بالإضافة إلى تلك الكوات الجصية أعلى الأبواب لتسهيل التهوية، كما تشكل الأبواب الكبيرة المصنوعة من الخشب المرصع بالدبابيس المعدنية جانباً من شخصية المكان، وأغلب الدكاكين ذات طابق واحد، فيما عدا بعض الدكاكين التي لها طابق علوي، ويمر الطريق عبر سوق مغطى باستخدام الكمرات الخشبية والدعون، ما يضفي على المكان لمسات جمالية متأتية من الظلال الواقعة عليه في منظر يمثل إيقاع الحياة في الماضي وحركة الباعة والمشترين، وما فيها من جلبة.

روائح البيئة المحلية
وعند اختراق الممرات الضيقة، تفوح مواد البيئة المحلية متمثلة في الجص والأحجار المرجانية التي كانت تستخدم في قواعد البناء، أما الجدران فكانت تُبنى من الأحجار المرجانية، فيما كانت الأسقف من خشب الجندل الذي يجلب من شرق أفريقيا، فيما كان يؤتى بالمربعات الخشبية من الهند، ويوضع الحصير أو المنجروف فوق الجندل أو المربعة، ومن الناحية الجمالية كانت الأسواق القديمة تتميز بوجود البارجيل كعنصر جمالي ووظيفي، وكان مطعماً بالنقوش والزخارف الجصية، ونجد الجدران مجوفة لتمنح المكان طابعاً جمالياً ووظيفياً في الوقت ذاته.

منتجات متنوعة
يشير الباحث التراثي عبدالله المطيري، قائلاً: يتميز السوق الكبير عن بقية الأسواق في الخليج بتنوع أقسامه وتخصصه وفقاً لكل منتج، فهو يضم سوق الذهب، سوق التوابل والبهارات، سوق التمر، سوق العطارين والأعشاب الطبية، سوق الحبال والدعون، سوق المعدن، كما تُباع فيه الأدوات المنزلية المصنوعة من المعدن والنحاس، فضلاً عن سوق المطارح جمع مطرح، وهو الفراش الذي يتخذ للنوم، والمتكآت والمخدات القطنية، سوق السمك والخضراوات، سوق البشوت المتخصص في الملابس والعباءة الرجالية، وأيضاً سوق المناظر، وهو بمثابة مركز لبيع الأكسسوارات النسائية والمنزلية، وقد أطلقت عليه تسمية المناظر، نظراً لوجود دواليب زجاجية تحفظ فيه هذه البضائع، بالإضافة إلى هذه الأسواق هناك سوق الشالات المختصة بملابس الرجال، وسوق المواد الاستهلاكية، ومحل السيلاني المتخصص بالعطور والملابس النسائية المتعلقة بحفلات الزفاف.

سوق اللؤلؤ
ويتابع المطيري: يظل «سوق اللؤلؤ» هو أبرز الأسواق أهمية في الماضي، وأشهر تاجر لؤلؤ هو محمد بن أحمد بن دلموك مؤسس مدرسة الأحمدية، كما كانت هناك أسواق سميت بأسماء أصحابها كسوق بندر طالب، سوق مرشد، سوق السبخة، وسوق نايف، ووسط هذه الأسواق كانت هناك ساحة تسمى بـ«العرصة»، حيث تجتمع قوافل التجار المحملين ببضائع مختلفة، والقادمين من مناطق بعيدة، مثل العين وأبوظبي والشارقة، والمناطق الشرقية، وكانت المنتجات تعرض في هذا المكان، وفيه تتم عمليات البيع والشراء، من هنا كان السوق الكبير في ديرة، ثريا ومقصداً للتجار، سواء من الواجهة البحرية أو البرية، فكانت تأتي سيارات الدفع الرباعي محملة ببعض الفواكه كالهمبا والليمون والتمور. ويذكر: ونحن صبية، كانت تأخذنا أقدامنا إلى محطة إنزال الفواكه، وكان أصحاب هذه القوافل يعطوننا حبات من المانجو مجاناً، وكانت فرحتنا عامرة بها، وقد كانت الحياة بسيطة والقلوب صافية وشفافة، تربط الناس ببعضها بعضاً، ومن البصرة كانت تأتينا التمور والدبس، والكثير من البضائع الأخرى التي كانت تفد إلينا عن طريق البحر أو البر، الأمر الذي جعل السوق غنياً بتنوع منتجاته.

مكتبة متنقلة
ويلفت المطيري، قائلاً: على الرغم من كون هذه المنتجات تعد غذاء للجسد، إلا أن غذاء العقل والروح أيضاً كان له نصيب من هذا السوق، ويذكر أنه كانت هناك مكتبة متنقلة لبائع يدعى عبدالله وينعت «عبود كتابي»، حيث يقوم بحمل لوح خشبي يحمل عدداً من الكتب ويعلقه على رقبته، ويقوم ببيع الكتب على المارة في السوق أو يتنقل بها إلى المقاهي الشعبية، ومنها قهوة النوخذة، حيث يجتمع فيها أبناء البلد والتجار من الأقطار المتجاورة، وكانت تمثل هذه المقاهي مجالس لتبادل الخبرات الاقتصادية، والاجتماعية، والتعرف على الأحداث السياسية الجارية في المنطقة وما يشهده العالم، وأيضاً مسرحاً لتلقي الثقافة والعلوم المختلفة. فالسوق الكبير في ديرة كان، ولا يزال مقصداً للزوار والسياح، ووجهة تجارية مهمة.